يلجأ بعض المزارعين على امتداد مجرى نهر جقجق في مدينة قامشلو بمقاطعة الجزيرة إلى ريّ الخضروات بمياه الصرف الصحي الملوثة، ما يشكّل خطراً صامتاً يهدد صحة السكان ويؤثر سلباً على البيئة. وفي مواجهة هذا التهديد، تقترح ناشطة بيئية اعتماد حلول مستدامة لإحياء النهر والحد من التلوث.
ذات يوم، كان نهر جقجق شرياناً ينبض بالحياة، يتلوّى اليوم كسيلٍ أسود، تحيط به أكوام النفايات وفضلات الحيوانات وكل ما هو مضرّ بالصحة والبيئة والكائنات الحية التي تعيش في النهر.
يتشكل النهر من التقاء نهري آفارش وآفاسبي، شمال ناحية نصيبين (ماردين – شمال كردستان)، ويدخل الأراضي السورية عبر مدينة قامشلو، ثم يتجه نحو الحسكة ليصبّ في نهر الخابور.
يبلغ طول النهر من منبعه حتى مصبه، نحو 126 كم، وقبل 30 عاماً، كانت مياه النهر تستخدم للشرب، وري الأراضي الزراعية، وصيد السمك والأنشطة اليومية، وللترويح عن النفس، حتى إن المدينة نفسها اقتبست اسمها “قامشلو” من نبتة “القاميش” التي كانت وما تزال تنمو على ضفافه.
دمرت السلطات التركية الحياة في النهر، بعد تحويل مجاري الصرف الصحي من مدينة نصيبين إلى مجراه، بين عامي 1988ـ 1989، ليتحول إلى مجرى موبوء بالنفايات والروائح الكريهة.
تنمو الطحالب بشكل مفرط في نهر جقجق، ما يولد بمخاطر على حياة الكائنات الحية ويهدد التوازن البيئي والحياة في النهر، وضرب الجفاف بعض الأراضي وأصبحت قاحلة بسبب ركود النهر، واكتسى ترابها باللون الأسود.
وعلى مساحات واسعة، يسقي المزارعون محصول القطن والخضروات من مياه النهر (الصرف الصحي) الملوث الذي يمر في قلب القرى الجنوبية لمدينة قامشلو.
وقالت الناشطة البيئية ومنسقة المجموعة التنسيقية لحماية البيئة إيمان إبراهيم عن الأضرار التي تلحقها المياه الملوثة بالخضروات: “هناك نوع من البكتيريا في المياه لا يُسمح باستخدامها لسقاية المزروعات، وهي غير صالحة وتلوث التربة، وتدمر الاخضرار، فالخضروات التي تحمل أوراقاً هي الأكثر تضرراَ، وعند سقايتها بمياه الصرف الصحي تحمل الكثير من البكتيريا”.
وحذرت إيمان من مخاطر أكل الخضروات التي تتم سقايتها من مياه الصرف الصحي، لأنها تسبب أمراضاً معوية وإسهالاً شديداً.
وعن تأثيرات مياه الصرف الصحي على التربة والآبار الجوفية، أشارت إلى أن ذلك مرتبط بالجيولوجية الأرضية، عندما تكون التربة ملوثة، تكون لها تأثيرات أكبر، فمياه الصرف الصحي ملوثة، وتطرح غاز الميثان وتجعل المحيط دافئ، ما يؤثر على الكائنات الحية داخل النهر وخارجه.
وعللت ذلك بوصول درجات الحرارة هذا العام في مدينة قامشلو إلى 50 درجة مئوية، وإذا أخذت درجات الحرارة في الارتفاع في السنوات القادمة، فقد نشهد فقدان الأرواح.
وتفتقر بلدية الشعب إلى مشاريع لمعالجة مياه الصرف الصحي، ولم تتمكن من إيجاد حلول مستدامة لتدارك المخاطر البيئية التي تلوح في الأفق، تقول إيمان: “معظم الدول اتجهت لاستخدام مياه الصرف الصحي كمصدر مائي مفيد بعد إعادة تدويره، يمكنهم من استخدامه للزراعة وسقاية الأشجار وبناء الغابات والبساتين، ويمكن استخدام مياه الصرف الصحي للشرب، بعد إعادة تدويره لأعلى مراحل الفلترة”.
ووصفت إيمان حال نهر جقجق بأنه “مريض” يجب معالجته بطرق مستدامة، يبدأ من تنظيفه وتخلصه من الفضلات والمعادن الثقيلة، ويمكن قتل البكتيريا الملوثة بالأشعة.
ودعت الناشطة البيئية إلى العمل بروح جماعية لحل هذه المعضلة بطرق إيكولوجية، تستفيد منه البيئة والإنسان، وليس بمنظور أنه صرف صحي.
ولإعادة النظم البيئية والتوازن إلى النهر، أشارت إيمان إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، الكائنات الحية والنباتات التي تأكل وتتغذى من بعضها، فهناك كائنات تعيش لتبقى الأخرى على قيد الحياة، وليبقى هذا النظام متوازناً، يجب العمل على إعادة النظام البيئي إلى النهر بطرق مستدامة، تعيد له رونقه وتقضي على الروائح الكريهة، وسيكون ذلك بمثابة رئة للمدينة ويخفّض من درجات الحرارة.
ومع خلو ضفاف النهر من المساحات الخضراء، تقترح إيمان زراعة مئات الآلاف من الأشجار التي ستسهم إلى حدّ كبير من تنقية النهر والهواء في آن واحد، وقالت: “يمكن زراعة أشجار السبيندار، ونبات القاميش على ضفاف النهر”.
تعود زراعة أشجار السبيندار، والصفصاف والقاميش، بفوائد كبيرة على البيئة والإنسان كونها تنقّي الهواء، وتلطف درجة الحرارة، وتثبت التربة وتوفر الظل والمأوى، ومقاومة للجفاف، وتزيد التنوع البيولوجي، وحاجز طبيعي للرياح، وتمنع الانجراف، وتنقي المياه، وهي وقود حيوي لمكافحة التلوث وتمتص المعادن من التربة والمياه، وتمنع تآكل التربة، وتعالج مياه الصرف الصحي.
ANHA
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.