الحوار الوطني السوري: لونٌ واحد وهيمنة إقصائية تشكك في مصداقية الحلول المطروحة

في ظل استمرار الأزمة السورية وتعثر المسارات السياسية، تطفو على السطح محاولات جديدة للحوار الوطني، لكن هذه المرة وسط تهميش واضح للقوى الفاعلة على الأرض، وإقصاء ممنهج للمكونات السورية المتنوعة، مما يطرح تساؤلات جدية حول نزاهة التمثيل وشرعية المخرجات.


حوار وطني… بلا وطنية؟
يبدو أن الجهات المنظمة للحوار تحاول فرض رؤية أحادية تستند إلى تفاهمات بين أطراف محددة، دون تمثيل حقيقي لمختلف الفئات الشعبية والسياسية السورية. إذ تؤكد مصادر متطابقة أن الحوارات تدور بين حزب البعث السوري وجماعة الإخوان المسلمين، في مشهد يعيد إنتاج الاستقطابات التقليدية التي ساهمت في تعقيد الأزمة بدلاً من حلها.
هذا التوجه يستثني بشكل كامل القوى التي تحمل مشروعًا مختلفًا لإدارة البلاد، مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلى جانب المجلس الوطني الكردي والأحزاب الكردية الأخرى، وهي جهات لها حضور فعلي على الأرض وتمثل من احدى المكونات الرئيسية من المجتمع السوري. كما يغيب عن هذا الحوار ممثلو القوى المدنية المستقلة، والمنظمات الحقوقية، والنقابات المهنية، مما يجعله أقرب إلى تفاهم سياسي مغلق بين أطراف تقليدية بدلاً من أن يكون حوارًا حقيقيًا بين أبناء الوطن.


ردود الفعل الرافضة للحوار “الإقصائي”
قوات سوريا الديمقراطية (قسد): الحوار بلا تمثيل حقيقي مرفوض
رفضت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هذه المحاولات، معتبرة أنها لا تعكس الواقع الفعلي على الأرض ولا تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الجديدة التي فرضتها سنوات النزاع. وأكدت مصادر في القيادة العامة أن أي حوار وطني يجب أن يكون شاملاً، مشيرة إلى أن محاولات إعادة إنتاج تحالفات سياسية فاشلة لن تؤدي إلى نتائج حقيقية، بل ستزيد من تعقيد المشهد السوري.


تغييب القوى الديمقراطية يفرغ الحوار من مضمونه


أصدرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية بيانًا رسميًا أعرب فيه عن استغرابه من النهج الذي يتم اتباعه في تنظيم هذا الحوار، معتبرًا أن الإقصاء المتعمد للقوى الديمقراطية الفاعلة، بما فيها ممثلو الإدارة الذاتية والمكونات المختلفة في شمال وشرق سوريا، يجعل هذا الحوار غير ذي جدوى. وأكد البيان أن أي مسار لا يشمل جميع السوريين فيما أعلنت على أنَّ هذا المؤتمر لا يمثِّلُ الشعب السوري، و التحفظ على هذا المؤتمر شكلًا ومضمونًا وبأن الإدارة الذاتية لن تكون جزءًا من تطبيقِ مُخرجاتِه.
وفي السياق نفسه أعلن المجلس الوطني الكوردي بأنه لايمكن الحديث عن حوار وطني حقيقي في ظل تغييب المكونات الكردية عن طاولة المفاوضات. وأكد المجلس في بيان رسمي أن أي محاولة لتجاهل الحقوق القومية للكرد في سوريا، وتغييب ممثليهم الفعليين عن المشهد السياسي، هي استمرار لنهج التمييز والإقصاء الذي عانى منه الكرد لعقود. كما شدد على أن أي مخرجات لحوار لا يضمن حقوق الكرد الدستورية والسياسية والإدارية لن تكون ملزمة لهم.
ومن جانبها، أصدرت عدة أحزاب كردية بيانات منفصلة انتقدت فيها هذه المحاولات، معتبرة أنها محاولة جديدة من النظام السوري وبعض القوى التقليدية لإعادة إنتاج الحكم المركزي في دمشق دون تقديم أي ضمانات حقيقية للشراكة السياسية. وأكدت الأحزاب الكردية أن الشعب الكردي لن يقبل بأي تسويات تتجاهل تطلعاته في سوريا جديدة ديمقراطية تعددية.


التفاف على المسارات الدولية؟


في الوقت الذي يحاول فيه المجتمع الدولي الدفع باتجاه مسار جنيف واللجنة الدستورية كإطار للحل، تأتي هذه المحاولات لإنتاج “حوار وطني” دون الحد الأدنى من التوافق بين السوريين، مما يثير الشكوك حول وجود نوايا حقيقية للوصول إلى حل سياسي شامل وعادل.


هل تكرس هذه المحاولات الانقسام بدلاً من الحل؟


إن تجاهل قوى الأمر الواقع والكيانات التي قدمت مشاريع حقيقية للحل، وتغييب المكونات التي تشكل جزءًا أساسيًا من النسيج السوري، لا يعني سوى مزيد من التفكك والانقسام، وخلق بيئة جديدة للصراعات بدلًا من تقريب وجهات النظر.


في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن بناء حوار وطني حقيقي في ظل الإقصاء والتهميش؟ أم أن هذه المحاولات ستنتهي كسابقاتها، مجرد حركة تكتيكية تخدم مصالح ضيقة دون أن تحقق أي اختراق فعلي للأزمة السورية المستمرة؟