خصخصة الشركات الحكومية في سوريا: الفرص الاقتصادية والتحديات قياساً على تجارب دولية

أعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال السورية، محمد أبازيد، أن الحكومة تدرس خيار خصخصة الشركات الحكومية، خصوصاً تلك التي تعاني من خسائر مالية. وأشار إلى أن أكثر من 70% من شركات القطاع العام ذات الطابع الاقتصادي تُصنّف ضمن الشركات الخاسرة، رغم تقديمها خدمات حصرية للدولة، مثل قطاع الكهرباء ومعامل الدفاع. كما أكّد أن الحكومة تعمل على إصدار قوانين استثمار جديدة تهدف إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية للمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد السوري.

تربة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيت

خلال تسعينيات القرن الماضي، نفذت روسيا خصخصة واسعة النطاق لشركات القطاع العام بهدف الانتقال إلى اقتصاد السوق.

انتشار الفساد: تمت عمليات بيع الأصول الحكومية بأسعار منخفضة للغاية، ما أدى إلى تركيز الثروة في أيدي نخبة صغيرة من رجال الأعمال (الأوليغارشية).

فقدان الوظائف: العديد من العمال فقدوا وظائفهم نتيجة لإعادة هيكلة الشركات، مما أدى إلى زيادة البطالة وتفاقم الفقر.

احتكار الأسواق: خصخصة القطاعات الحيوية، مثل الطاقة والنفط، خلقت كيانات احتكارية أضرت بالمستهلكين ورفعت الأسعار.

تجربة الأرجنتين في التسعينيات

قامت الأرجنتين بخصخصة قطاعات حيوية، مثل المياه والطاقة، لتحسين الخدمات وسداد ديونها الخارجية.

ارتفاع الأسعار: خصخصة الخدمات العامة، مثل الكهرباء والمياه، أدت إلى زيادات كبيرة في الأسعار، مما أثقل كاهل الفئات الفقيرة.


تراجع الجودة: بسبب ضعف الرقابة الحكومية، انخفضت جودة الخدمات المقدمة في بعض القطاعات.


الديون المتراكمة: لم تحقق الخصخصة الهدف المأمول في تحسين المالية العامة، إذ استمرت الدولة في مواجهة أزمات ديون.

تجربة الهند في قطاع الزراعة

في إطار برامج تحرير الاقتصاد، جرى خصخصة بعض الخدمات الزراعية، مثل توزيع الأسمدة وإدارة السلع.

  • تفاقم الفجوة بين المناطق: تركزت الاستثمارات في المناطق الغنية، بينما تُركت المناطق الريفية النائية تعاني من نقص الخدمات.
  • زيادة التبعية للشركات الكبرى: أصبحت السوق الزراعية تحت سيطرة عدد قليل من الشركات، مما أضر بالمزارعين الصغار.

تجربة مصر في تسعينيات القرن الماضي

نفذت الحكومة المصرية برنامج خصخصة واسع النطاق لعدد من شركات القطاع العام، لا سيما في قطاعات الصناعات التحويلية والخدمات.:

  • بيع الشركات بأقل من قيمتها الحقيقية: أُدينت الحكومة ببيع الشركات بأسعار تقل عن قيمتها السوقية، ما أثار جدلاً واسعاً حول الفساد والمحسوبية.
  • فقدان الأمن الوظيفي: أدت الخصخصة إلى تقليص عدد كبير من العمالة دون توفير بدائل أو حماية اجتماعية.
  • ضعف التنمية الاقتصادية: لم تؤدِ الخصخصة إلى تحسين كبير في الأداء الاقتصادي العام

البيئة الاستثمار الحالية

  • يشير بعض الخبراء إلى أن البيئة الاستثمارية في سوريا ليست مهيأة بعد للخصخصة. لعدم توافر الاستقرار السياسي، والعقوبات الاقتصادية الدولية، وضعف النظام القضائي تجعل سوريا أقل جذباً للمستثمرين الأجانب.
  • يقول الخبراء إن الاستثمار الأجنبي قد يقتصر على دول حليفة لهيئة تحرير الشام مثل تركيا وقطر ، مما قد يؤدي إلى احتكار الشركات من قبل جهات محددة.

تجربة الخصخصة في المكسيك: تحديات الفساد والاحتكار وأثرها على العدالة الاجتماعية

رغم النجاحات التي حققتها المكسيك في بعض جوانب الخصخصة، إلا أن التجربة واجهت تحديات ومساوئ بارزة أثرت على استدامة الإصلاحات الاقتصادية. من أبرز هذه التحديات انتشار الفساد والمحسوبية، حيث اتُّهمت الحكومة ببيع الشركات بأسعار منخفضة لمستثمرين مرتبطين بالنخبة السياسية، مما أدى إلى تركيز الثروة بيد قلة قليلة.

بالإضافة إلى ذلك، بدلاً من تعزيز المنافسة، تحولت بعض القطاعات الحيوية مثل الاتصالات إلى احتكارات خاصة، ما قلل من الفوائد التي يمكن أن تعود على المستهلكين.

كما أدى تسريح العمال الناتج عن إعادة هيكلة الشركات إلى ارتفاع معدلات البطالة، مما فاقم الأعباء الاجتماعية، خاصة بين الفئات الضعيفة. كذلك، ظهرت فجوة تنموية بين المناطق الحضرية والريفية، حيث تركزت الاستثمارات والخدمات في المدن الكبرى، بينما عانت المناطق الريفية من نقص البنية التحتية والخدمات.

علاوة على ذلك، ارتفعت تكاليف الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والاتصالات بشكل كبير، ما أثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود وزاد من التفاوت الاقتصادي والاجتماعي.

المساوئ المحتملة لخصخصة الشركات الحكومية في سوريا: دروس مستفادة من تجارب دولية

استنادًا إلى تجارب دول مثل روسيا ومصر، قد تصبح عملية الخصخصة في سوريا وسيلة لإثراء فئة ضيقة من النخب السياسية والاقتصادية إذا لم تُنفذ بشفافية. عدم وجود رقابة صارمة قد يؤدي إلى بيع الأصول العامة بأسعار زهيدة لمستثمرين ذوي صلات بالحكومة، مما يفاقم التفاوت الاجتماعي ويضعف الثقة بالمؤسسات.
خصخصة القطاعات الحيوية مثل الكهرباء والمياه قد تُنتج احتكارات خاصة بدلًا من تعزيز المنافسة. في المكسيك، أدت خصخصة الاتصالات إلى تركيز السوق في يد شركات محدودة، مما رفع الأسعار وأثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود. في سوريا، قد تواجه الخدمات الأساسية السيناريو نفسه، ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وتراجع جودة الخدمات.

إعادة هيكلة الشركات الحكومية بعد الخصخصة غالبًا ما تُصاحبها تسريحات واسعة للعمال، كما حدث في العديد من الدول التي خاضت تجارب مماثلة. في سوريا، هذا قد يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة وتفاقم الأوضاع المعيشية، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة بالفعل.

قد يؤدي تركيز الاستثمارات في المدن الكبرى والمناطق الغنية إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي بين المناطق. المناطق الريفية، التي تعاني أصلاً من نقص الخدمات والبنية التحتية، قد تجد نفسها خارج دائرة الاستفادة من الخصخصة، مما يزيد من عمق الفجوة الاجتماعية والاقتصادية.

في ظل الوضع السياسي والأمني المعقد في سوريا، قد تقتصر الخصخصة على استثمارات من دول حليفة لهيئة تحرير الشام، مثل تركيا وقطر. هذا التقييد يقلل من تنوع المستثمرين وقد يُحوِّل بعض القطاعات إلى احتكارات يسيطر عليها أطراف محددة.

الخلاصة
خصخصة الشركات الحكومية في سوريا قد تحمل إمكانات لتحسين الأداء الاقتصادي، لكنها محفوفة بمخاطر إذا لم يتم التخطيط لها بعناية. دروس الدول الأخرى تؤكد أهمية وجود قوانين شفافة، وهيئات تنظيمية قوية، وخطط حماية اجتماعية لتفادي العواقب السلبية. بدون هذه الضمانات، قد تتحول الخصخصة إلى عبء إضافي يفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من معالجتها.