استثمار فرنسي–تركي في ميناء اللاذقية: شراكة اقتصادية أم امتياز سيادي طويل الأجل؟”

أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا، برعاية رئيس الهيئة أحمد الشرع، عن توقيع اتفاقية مع شركة الشحن الفرنسية العملاقة CMA CGM لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية لمدة 30 عاماً، باستثمارات تقدر بـ 230 مليون يورو.
وتنص الاتفاقية على ضخ 30 مليون يورو في العام الأول، يليها تنفيذ مشروع لبناء رصيف حديث بطول 1.5 كيلومتر وعمق 17 متراً خلال أربع سنوات، بقيمة 200 مليون يورو، ضمن خطة لتحديث البنية التحتية ورفع مستوى التشغيل إلى المعايير العالمية.
هذه الاتفاقية تأتي بعد فسخ العقد السابق مع نفس الشركة، الذي كان قد جُدّد في نوفمبر 2024، دون توضيح للأسباب. ووفق مدير الميناء، أحمد علي مصطفى، فإن الاتفاق الجديد جاء بصيغة “أكثر حداثة ومرونة”.

فرصة لتعزيز البنية التحتية:

الاستثمار الأجنبي في قطاع النقل البحري في سوريا، خاصةً في ميناء استراتيجي كميناء اللاذقية، يشكل خطوة مهمة نحو إعادة تأهيل البنية اللوجستية، التي تضررت بفعل الحرب والعقوبات.
من المتوقع أن تسهم هذه الخطوة في زيادة حركة التجارة، وجذب سفن الشحن العالمية، ما قد يرفع الإيرادات الجمركية ويحسن من بيئة التجارة الخارجية.

مخاطر الامتياز طويل الأجل:


منح عقد تشغيل مدته 30 عاماً لشركة أجنبية يطرح تساؤلات حول مدى الرقابة الوطنية على أحد أهم الموانئ السيادية، واحتمال تحول الاتفاق إلى شكل من أشكال “الاحتكار المنظم”، خاصة إن لم تكن بنود التعاقد عادلة أو شفافة.
في حال التزام الشركة بالمواصفات العالمية، فإن جودة الخدمات وفعالية العمليات ستتحسن، مما قد ينعكس إيجاباً على سلاسل الإمداد وأسعار السلع المستوردة. لكن بالمقابل، يجب التأكد من عدم تحميل الرسوم الجديدة للمستهلك السوري الذي يعاني أصلاً من تضخم مزمن.

من هي CMA CGM التجارية


شركة CMA CGM هي واحدة من أكبر شركات الشحن البحري في العالم، ومقرها الرئيسي في مدينة مرسيليا، فرنسا. تأسست الشركة من قبل رجل الأعمال اللبناني-الفرنسي الراحل جاك سعده، ويقودها حالياً نجله رودولف سعده، الذي يمتلك مع عائلته حوالي 73% من أسهم الشركة عبر شركة Merit France SAS.

المساهمون الأتراك


تمتلك مجموعة يلدريم التركية، وهي شركة عائلية مقرها في إسطنبول، حصة تبلغ 24% في CMA CGM. بدأت هذه الشراكة في عام 2010 عندما استثمرت المجموعة 500 مليون دولار في الشركة الفرنسية مقابل سندات قابلة للتحويل إلى أسهم. في عام 2013، زادت المجموعة حصتها بنسبة 4% إضافية من خلال استثمار إضافي قدره 100 مليون دولار.
على الرغم من تقارير سابقة عن نية مجموعة يلدريم بيع حصتها، إلا أن روبرت يلدريم، رئيس المجموعة، لا يزال يحتفظ بمقعد في مجلس إدارة CMA CGM، مما يشير إلى استمرار العلاقة بين الطرفين.

من هي “يلدريم القابضة”؟

Yildirim Holding هي مجموعة صناعية واستثمارية مقرها إسطنبول، وتعمل في مجالات متنوعة تشمل التعدين، الكيماويات، الموانئ، والطاقة، والنقل البحري. وتُعرف المجموعة بنفوذها الواسع في الأسواق الناشئة، كما تُعد من اللاعبين الرئيسيين في قطاع الموانئ في شرق البحر المتوسط.

سياق الاتفاق: تعاون اقتصادي أم إعادة تموضع نفوذ إقليمي؟


يثير الاتفاق تساؤلات حول أبعاده الجيوسياسية، خاصة في ظل دخول مستثمر أجنبي ذو ارتباط تركي مباشر إلى مرفق بحري استراتيجي في سوريا. فبينما يبدو الاتفاق على السطح خطوة اقتصادية لإعادة إعمار البنية التحتية، إلا أن النفوذ التركي داخل CMA CGM يعيد تشكيل سؤال مركزي:
هل هو استثمار اقتصادي بحت؟ أم نافذة جديدة للتأثير الإقليمي في السواحل السورية؟