يشهد موسم الحبوب، وبالأخص القمح، هذا العام في سوريا تحديات غير مسبوقة، تتراوح بين الظروف المناخية القاسية والأزمات الاقتصادية والسياسية المستمرة. ففي وقت تعاني فيه البلاد من شح الأمطار والجفاف المستمر، يواجه المزارعون في شمال وشرق سوريا صعوبات كبيرة تؤثر على الإنتاج المحلي، مما يرفع احتمالات تفاقم الأزمة الغذائية في عموم سورية في الفترة المقبلة. على الصعيد العالمي، تأتي تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لتعكس رغبة بلاده في تعزيز مكانتها كمورد رئيسي للحبوب والأسمدة، وسط مشهد جيوسياسي معقد.
تحديات الموسم الزراعي في سوريا: جفاف وندرة المياه
موسم القمح هذا العام يعد من أسوأ المواسم الزراعية في سوريا، حيث تراجعت معدلات الأمطار بشكل ملحوظ في مناطق الإنتاج الرئيسية في شمال وشرق البلاد. هذا الجفاف المستمر أدى إلى تأثر كبير في المحاصيل الزراعية، خاصة القمح، الذي يعتمد بشكل أساسي على هطول الأمطار خلال فترتي النمو.
إضافة إلى ذلك، أدى الجفاف وانحباس الهطولات المطرية ترك مساحات شاسعة من الأراضي جرداء، وخاصة الزراعات البعلية.
في الوقت الذي يكافح فيه المزارعون للحصول على مادة المازوت لري ما تبقى لديهم من حقول القمح.
التوقعات الأولية للإنتاج تشير إلى تراجع كبير في محصول القمح بنسبة تتراوح بين 30% و50% مقارنة بالسنوات السابقة، بسبب ندرة الأمطار وقلة موارد المياه الجوفية و نظرا لارتفاع تكاليف التشغيل للابار الارتوازية و شح مادة الديزل “مازوت” وخاصة بعد العدوان التركي وتدمير البنية التحتية في شمال شرق سوريا ، إلى جانب قلة الأسمدة وارتفاع أسعار البذور بسبب ضعف العملة المحلية، الأمر الذي يهدد بتقليص المساحات المزروعة.
التحديات الاقتصادية والسياسية
تلعب الاضطرابات السياسية والاقتصادية دورًا محوريًا في تعميق أزمة القمح في سوريا. فالأزمة الاقتصادية المستمرة، إلى جانب التذبذب الحاد في أسعار العملات المحلية مقابل الدولار واليورو، يفرض ضغوطًا إضافية على مزارعي القمح. إذ تتزايد تكاليف المدخلات الزراعية من أسمدة وبذور، وهو ما يعزز من صعوبة استدامة الإنتاج المحلي.
عدم الاستقرار في بعض المناطق الزراعية أدى إلى تراجع المساحات المزروعة نتيجة الصعوبات الأمنية وعدم القدرة على الوصول إلى الأراضي الزراعية في بعض الأحيان.
أسعار القمح المحلية من المتوقع أن تشهد ارتفاعات ملحوظة نتيجة لتقلص الإنتاج المحلي، ما يجعل سوريا مضطرة للاستيراد بشكل أكبر لسد العجز، وهو ما يضغط على الميزانية لحكومة دمشق الانتقالية ويزيد من معاناة المواطن.
الأسواق العالمية: روسيا تعزز مكانتها كمورد رئيسي
على الصعيد العالمي، يأتي تأكيد روسيا على موقفها الثابت في أسواق الحبوب والأسمدة ليزيد من تعقيد المشهد في ظل الظروف الراهنة. فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الثلاثاء أن روسيا لن تسمح لأي جهة باستبعادها من أسواق الحبوب العالمية، مشددًا على التزام بلاده بتوريد الحبوب والأسمدة كجزء من استراتيجية اقتصادية طويلة الأمد.
روسيا كمورد رئيسي: تعتبر روسيا أحد أكبر مصدري القمح عالميًا، ويشكل استمرار تدفق الحبوب الروسية فرصة لسوريا لتعويض جزء من النقص المحلي في الإنتاج.
التوترات الجيوسياسية:
التوترات المستمرة بين روسيا والغرب قد تؤثر على أسعار الحبوب العالمية، مما قد يشكل تحديًا إضافيًا للدول التي تعتمد على واردات القمح، مثل سوريا.
السيناريوهات المحتملة للموسم الزراعي في سوريا
في ظل جفاف الأرض وشح الموارد المائية، إضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار الديزل الذي يعوق قدرة معظم المزارعين على تشغيل الآبار الزراعية، تزداد صعوبة زراعة القمح في سوريا. هذا إلى جانب ارتفاع تكاليف الأسمدة والمبيدات الكيميائية، ما يؤدي حتمية تقليص المساحات المزروعة لموسم القمح والذي تراجع بنسبة كبيرة خلال السنوات الأخيرة لعدم ملائمة تسعيرة الحبوب مع قياسات هامش الربح و تكاليف الإنتاج.
سيناريو التشديد الاقتصادي:
في ظل هذه له لهالظروف المناخية القاسية وارتفاع تكاليف الإنتاج، فإن هذا السيناريو يرسم بصورة واضحة عن تراجع حاد في الإنتاج المحلي. في الموسم الزراعي 2023، قدرت الحكومة السورية إنتاج القمح بحوالي 1.2 مليون طن، وهو أقل من احتياجات البلاد التي تقدر بنحو 3.5 مليون طن سنويًا. في هذا السياق، قد تضطر الحكومة إلى زيادة استيراد الحبوب لتلبية احتياجات السوق، مما يساهم في رفع الأسعار ويزيد الضغط على الأمن الغذائي المحلي.