أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن تغييرات جذرية في سياسة التعريفات الجمركية، ما أثار جدلًا واسعًا حول تأثيراتها المحتملة على الاقتصاد العالمي. فمن المتوقع أن تؤدي هذه التغييرات إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض التجارة الدولية. في المقابل، يدافع ترامب عن هذه السياسات باعتبارها خطوة ضرورية لتحقيق ازدهار اقتصادي أمريكي سريع. غير أن هذه التوقعات تتباين بين الاقتصاديين، حيث يرى بعضهم أنها تمثل زيادة فعلية في الضرائب ستثقل كاهل المستهلكين والشركات. هذا التحول يعكس تجربة مماثلة شهدها العالم أثناء الإغلاق الكبير لجائحة كورونا، عندما تعطلت سلاسل التوريد العالمية وتراجعت التجارة الدولية، ما أدى إلى ركود اقتصادي عالمي مؤقت.
كما هو الحال مع أي تغيير جذري في السياسات الاقتصادية، فإن النتائج الفعلية لا تزال غير مؤكدة. في حين توقع البنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا أن الاقتصاد الأمريكي قد بدأ بالفعل في الانكماش، فإن نموذج بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أشار إلى توقعات أكثر تفاؤلًا بنمو قوي في الربع الأول. يمكن مقارنة هذا التباين بما حدث خلال جائحة كورونا، حيث شهدت بعض القطاعات انتعاشًا سريعًا بفضل التحفيزات الاقتصادية، بينما عانت قطاعات أخرى من ركود طويل الأمد بسبب الإغلاقات وانخفاض الطلب العالمي.
التداعيات المحتملة لهذه السياسة لا تقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل تمتد إلى الاقتصاد العالمي ككل. يرى بعض المحللين، مثل أولي سونولا من وكالة فيتش، أن تطبيق هذه التعريفات الجمركية لفترة طويلة قد يدفع العديد من الدول إلى الركود. ويمكننا هنا مقارنة هذا السيناريو بما حدث أثناء الإغلاق العالمي في 2020، حيث تأثرت الاقتصادات الكبرى بانخفاض الطلب على السلع والخدمات، وتوقفت سلاسل الإمداد، مما تسبب في اضطرابات اقتصادية غير مسبوقة. كما أن احتمالية رد الدول المتضررة بفرض تعريفات مضادة قد يعمّق الأزمة، تمامًا كما شهدنا خلال الجائحة عندما فرضت الدول قيودًا صارمة على التصدير والاستيراد لحماية مواردها المحلية.
في سياق تأثير هذه السياسة على سوريا، فإن فرض تعريفات جمركية بنسبة 41٪ على بعض السلع المستوردة سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد بالفعل. نظرًا لاعتماد الاقتصاد السوري على الواردات بسبب تراجع الإنتاج المحلي نتيجة الحرب والعقوبات، فإن هذه التعريفات سترفع تكاليف الاستيراد، مما سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع الأساسية وارتفاع معدلات التضخم بشكل أكبر. كما يمكن أن يتسبب هذا في تقليل القدرة الشرائية للمواطن السوري، وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل ملحوظ، وهو ما يشابه تداعيات جائحة كورونا حينما انخفضت سلاسل التوريد وأصبحت السلع أكثر تكلفة وأقل توفرًا.
أخيرًا، يجب النظر إلى تأثير هذه التعريفات على قطاع الخدمات الأمريكي، وهو أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد. فالولايات المتحدة تمتلك فائضًا تجاريًا في الخدمات مثل التمويل والتكنولوجيا، ولكن كما حدث أثناء الجائحة عندما تعرضت القطاعات الخدمية لضغوط هائلة بسبب الإغلاقات، قد تجد الخدمات الأمريكية نفسها هدفًا للانتقام في حرب تجارية موسعة. ويمكن للاتحاد الأوروبي ودول أخرى اتخاذ تدابير مماثلة لما اتخذته الدول أثناء الجائحة، حيث فرضت قيودًا على الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على التجارة العالمية.
بالمجمل، تتشابه التداعيات المحتملة لهذه التعريفات الجمركية مع ما شهدته الاقتصادات العالمية خلال أزمة كورونا، حيث يؤدي التغيير الحاد في السياسات الاقتصادية إلى اضطرابات غير متوقعة. وإذا لم يتم إدارة هذه السياسات بحذر، فقد تكون النتائج أكثر سلبية مما يتوقع مؤيدوها، مما يعيد إلى الأذهان الآثار العميقة التي أحدثها الإغلاق العالمي على الاقتصاد والأسواق العالمية، مع إضافة أعباء جديدة على اقتصادات هشة مثل الاقتصاد السوري.